الابتكار الرقمي في الصناعة المصرفية: كيف يمكن لتقنية البلوكتشين تحويل القطاع المالي؟

كيف ستؤثر تقنية البلوكتشين على الصناعة المصرفية

تعد تقنية البلوكتشين من أشهر التقنيات الحديثة التي تهدف إلى تحويل الصناعات وتطويرها وبشكل جذري، وتأثيرها على صناعة المصرفية ليس بالأمر السهل لكنه أمر حتمي لما ستقدمه هذه التقنية من تسهيلات لهذه الصناعة.

سنتحدث كيف ستحدث تقنية البلوكتشين تغييراً في الصناعة المصرفية، وما هي الفوائد التي يمكن أن تجلبها هذه التقنية للصناعة وكيف يمكن للبلوكتشين أن يساعد في تحسين الأمان والشفافية والكفاءة في عمليات المصرفية.

كيف يمكن أن يغير البلوكتشين النظام المصرفي الحالي؟

تعمل البنوك غالباً كوسطاء في الاقتصاد العالمي من خلال إدارة وتنسيق النظام المالي من خلال دفاترها الداخلية، ونظراً لأن هذه الدفاتر ليست متاحة للعامة للتفتيش بها والتأكد من صحتها، فإنهم يفرضون الثقة في البنوك وبنيتها التحتية التي غالباً ما تكون قد أكل عليها الزمن.

إن تقنية البلوكتشين ليست فقط لديها القدرة على احداث تغيير في سوق العملات في العالم، لكن أيضاً على القطاع المصرفي بشكل عام من خلال الاستغناء عن هؤلاء الوسطاء واستبدالهم بنظام لا يحتاج لطرف ثالث وبلا حدود وشفاف يسهل على أي شخص الوصول إليه.

من المحتمل أيضاً أن تساعد تقنية البلوكتشين في تسهيل المعاملات الأسرع والأرخص وتسهيل الوصول إلى رأس المال وإنشاء أمان أعلى للبيانات وفرض اتفاقيات لا تحتاج للثقة من خلال العقود الذكية وجعل الامتثال للقوانين أكثر سلاسة وأكثر من ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، وبفضل الطبيعة المبتكرة للبلوكتشين فإن الطرق التي يمكن أن تتفاعل بها مجموعات الكتل المالية المتاحة حديثاً مع بعضها البعض يمكن أن تؤدي الى تقديم أنواع جديدة تماماً من الخدمات المالية.

ما هي فوائد البلوكتشين الرئيسية للخدمات المصرفية والمالية؟

الأمان:  تعمل البنية القائمة على البلوكتشين على إزالة نقاط الفشل الفردية وتقليل الحاجة إلى وضع البيانات في أيدي الوسطاء.

الشفافية: تعمل البلوكتشين على توحيد العمليات المشتركة وإنشاء مصدر حقيقة مشترك واحد لجميع المشاركين في الشبكة.

الثقة: تعمل دفاتر الأستاذ الشفافة على تسهيل تعاون الأطراف المختلفة والتوصل إلى اتفاقيات.

قابلية البرمجة: تسمح البلوكتشين بالأتمتة الموثوقة للعمليات التجارية من خلال إنشاء وتنفيذ العقود الذكية.

الخصوصية: تسمح تقنيات الخصوصية التي يتم تمكينها بواسطة البلوكتشين مشاركة انتقائية للبيانات بين الشركات.

الأداء: تم تصميم الشبكات للحفاظ على عدد كبير من المعاملات مع دعم العمل المشترك بين السلاسل المختلفة مما يخلق شبكة متكاملة متصلة من شبكات البلوكتشين.

التسوية السريعة للأموال باستخدام البلوكتشين

يمكن أن يكون إرسال الأموال في النظام المصرفي الحالي عملية طويلة ومعقدة بعض الشيئ ويمكن أن يأتي برسوم مختلفة لكل من البنوك والعملاء وقد يتطلب تحقق وإدارة أكثر.

في عصر الاتصال الفوري، لم يكن النظام المصرفي القديم قادراً على مواكبة بقية التطورات التكنولوجية.

توفر تقنية البلوكتشين طريقة دفع أسرع مع رسوم أقل وتكون متوفرة على مدار الساعة دون حدود أو قيود وبضمانات الأمان نفسها التي يمكن أن يوفرها النظام القديم.

جمع التبرعات مباشرة على البلوكتشين

تاريخياً كان رواد الأعمال الذين كانوا يتطلعون إلى جمع الأموال يعتمدون على ممولين خارجيين مثل المستثمرين الملائكة أو أصحاب رؤوس الأموال أو المصرفيين.

قد تكون هذه عملية صارمة للغاية وتتطلب مفاوضات مطولة حول التقييم وتقسيم الأسهم واستراتيجية الشركة وغيرها الكثير.

تقدم عروض طرح العملة الأولية (ICO) وعروض المنصات الأولية (IEO) للمشاريع الناشئة الفرصة لجمع الأموال دون الحاجة إلى البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، تعمل الـ ICOs المدعومة من قبل البلوكتشين على السماح للشركات ببيع العملات مقابل الحصول على تمويل مع افتراض أن العملات ستولد عائداً للمستثمرين، بينما فرضت البنوك رسوماً ضخمة لتسهيل توريق الأعمال والعروض العامة الأولية (IPO) تقليدياً، لكن يمكن أن تساعد تكنولوجيا البلوكتشين في تجنب تلك الرسوم.

من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من الـ ICOs لديها القدرة على إضفاء الطابع الديمقراطي على جمع التبرعات إلا أنها تأتي أيضا مع العديد من المشاكل الخاصة بها، لقد سمحت السهولة النسبية لإنشاء الـ ICO للمشاريع بجمع مبالغ كبيرة من الأموال دون أي متطلبات رسمية أو ملموسة للتنفيذ الفعلي لوعودها، بينما يبقى سوق الـ ICO في الغالب غير منظم وعلى هذا النحو فإنه يوجد به مخاطر مالية كبيرة للمستثمرين.

إصدار رموز للأصول على البلوكتشين

يتطلب شراء وبيع الأوراق المالية والأصول الأخرى مثل الأسهم والسندات والسلع والعملات ومشتقاتها بذل جهد معقد ومنسق بين البنوك والوسطاء ومكاتب المقاصة والبورصات، لا يجب أن تكون هذه العملية فعالة فحسب بل يجب أيضاً أن تكون دقيقة حيث أن إضافة المزيد من التعقيدات يؤدي الى زيادة الوقت والتكلفة.

تعمل تقنية البلوكتشين على تبسيط هذه العملية من خلال توفير طبقة أساسية تكنولوجية يكون دورها تسهيل تحويل جميع الأصول لرموز (tokens)،و نظراً لأن معظم الأصول المالية يتم شراؤها وبيعها رقمياً من خلال وسطاء عبر الإنترنت، فإن تحويلها لرمز (token) على البلوكتشين يبدو حلاً مناسباً لجميع المعنيين.

تبحث بعض شركات البلوكتشين لمبتكرة في ترميز الأصول في العالم الحقيقي وتحويلها الى (token) مثل العقارات والفن والسلع، هذا من شأنه أن يجعل نقل ملكية الأصول التي تحمل قيمة العالم الحقيقي عملية رخيصة وسهلة كما أنه سيفتح طرقاً جديدة للمستثمرين ذوي رأس المال المحدود عن طريق تمكينهم من شراء ملكية جزئية للأصول باهظة الثمن مثل منتجات استثمارية ربما لم تكن متاحة لهم من قبل.

إقراض الأموال باستخدام البلوكتشين

احتكرت البنوك وشركات الإقراض الأخرى قطاع الإقراض مما سمح لها بتقديم قروض بأسعار فائدة مرتفعة نسبياً وتقييد الوصول إلى رأس المال بسبب نسب الائتمان، مما جعل عملية اقتراض المال طويلة ومكلفة، وعلى الرغم من أن البنوك تتمتع بالميزة فإن الاقتصاد يعتمد على توفير البنوك الأموال اللازمة للعناصر ذات التكلفة العالية مثل السيارات والمنازل.

تسمح تقنية البلوكتشين لأي شخص في العالم بالمشاركة في نوع جديد من نظام الإقراض البيئي والذي يعد جزءً من الحركة التي يشار إليها غالباً باسم التمويل اللامركزي (DeFi) أو Decentralized Finance، يهدف  التمويل اللامركزي إلى وضع جميع التطبيقات المالية على قمة البلوكتشين لإنشاء نظام مالي يسهل الوصول إليه.

يتيح الإقراض المالي من نوعية الند للند الذي يتم تمكينه بواسطة البلوكتشين لأي شخص الاقتراض والإقراض بطريقة بسيطة وآمنة وغير مكلفة دون أي قيود تعسفية، مع مشهد إقراض أكثر تنافسية ستضطر البنوك أيضاً إلى تقديم شروط أفضل لعملائها.

تأثير البلوكتشين على تمويل التجارة العالمية

الدخول في مجال التجارة الدولية غير مريح للغاية بسبب وجود عدد كبير من القواعد واللوائح الدولية المفروضة على المستوردين والمصدرين حيث لا يزال تتبع البضائع ونقلها خلال كل مرحلة يتطلب عمليات يدوية مليئة بالوثائق المكتوبة بخط اليد ودفتر الأستاذ (السجل).

تتيح تقنية البلوكتشين للمشاركين في التمويل التجاري توفير مستوى أعلى من الشفافية من خلال دفتر الأستاذ المشترك الذي يتتبع بدقة البضائع التي تتحرك في جميع أنحاء العالم ويكون متاح للجميع لفحصة، يمكن أن توفر تقنية البلوكتشين للمستوردين والمصدرين وغيرهم من الشركات قدراً كبيراً من الوقت والمال من خلال تبسيط عالم التجارة المعقد وترشيده.

اتفاقيات أكثر أماناً باستخدام العقود الذكية

توجد عقود لحماية الأشخاص والشركات عندما يقومون بإبرام اتفاقات لكن هذه الحماية تأتي بتكلفة عالية، بسبب الطبيعة المعقدة للعقود، فإن عملية إنشاء واحد تتطلب الكثير من العمل اليدوي من قبل الخبراء القانونيين.

تتيح العقود الذكية تنفيذ الاتفاقات بطريقة تلقائية من خلال كود حتمي مقاوم للعبث أو التلاعب يعمل على البلوكتشين، يمكن أن تبقى الأموال بأمان في الضمان ولا يتم تحريرها إلا عند استيفاء شروط معينة من الاتفاقية.

العقود الذكية تقلل إلى حد كبير عنصر الثقة اللازم للتوصل إلى اتفاق، مما يقلل من مخاطر الاتفاقيات المالية واحتمالات الانتهاء في المحكمة.

تفعيل سلامة البيانات والأمان بواسطة البلوكتشين

تنطوي عملية مشاركة البيانات مع الوسطاء الموثوقين دائماً على خطر تعرض البيانات للسرقة، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال العديد من المؤسسات المالية تستخدم أساليب التخزين الورقية مما يزيد من تكاليف حفظ الدفاتر بشكل كبير.

تعمل تقنيات البلوكتشين على تمكين العمليات المبسطة التي تعمل على تنفيذ عملية التحقق من البيانات وإعداد التقارير بشكل تلقائي و رقمنة بيانات KYC/AML  وسجل المعاملات وتسمح بالمصادقة في الوقت الفعلي للوثائق المالية، ويساعد هذا في تقليل المخاطر التشغيلية وخطر الاحتيال ويقلل من تكلفة التعامل مع البيانات للمؤسسات المالية.

يعد القطاع المصرفي والمالي أحد القطاعات الرئيسية التي ستتأثر بتقنية البلوكتشين وبشكل حتمي، حيث أن حالات الاستخدام المحتملة عديدة، من المعاملات في الوقت الفعلي وتحويل الأصول الى رموز (tokens) والإقراض والتجارة الدولية الأكثر سلاسة والاتفاقيات الرقمية الأكثر قوة وغيرها الكثير.

من الواضح أن حل جميع العقبات التكنولوجية والتنظيمية اللازمة لإدراك إمكانيات هذه البنية التحتية المالية الجديدة بالكامل مسألة وقت وحسب، حيث تعتبر المجموعة المصرفية والمالية القائمة على طبقة أساس لا تحتاج للثقة وشفافة وبدون قيود فعالة في تمكين اقتصاد أكثر انفتاحاً وترابطاً.