الحالات الشائعة لاستخدام البلوكتشين (الحَوْكَمة)
تعد تقنية البلوكتشين واحدة من أهم التقنيات الحديثة التي أثبتت جدارتها في العديد من المجالات، ومن بين هذه المجالات الحوكمة وإدارة الشركات، فقد أصبح استخدام البلوكتشين في هذا المجال شائعاً جداً، حيث يوفر هذا النظام اللامركزي مزايا عديدة للشركات والمؤسسات.
وعلى الرغم من أن البلوكتشين تم تصميمه في البداية ليكون بمثابة بنية للبيتكوين إلا أنه يتم إستخدامه الآن في العديد من المجالات المختلفة، أحد هذه المجالات هو مجال الحوكمة حيث تتمتع النظم الموزعة بإمكانية تغيير القطاع العام إلى حد كبير.
لماذا يجب على الحكومات التفكير في استخدام البلوكتشين؟
في حين أن لدى الحكومات العديد من المزايا في الحوكمة إلا أن هناك بعض الأسباب الرئيسية التي قد تجعل الكيانات الحكومية تفكر في الاستفادة من تقنية البلوكتشين، وتشمل هذه الأسباب زيادة اللامركزية ونزاهة البيانات والشفافية بالإضافة الى تحسين الكفاءة وخفض تكاليف التشغيل.
1 – اللامركزية ونزاهة البيانات
هناك العديد من الطرق المختلفة لبناء شبكات البلوكتشين ولكن كما هو الحال في الأنظمة الموزعة، تعمل جميعها على تقديم درجة معينة من اللامركزية، ذلك لأن شبكة البلوكتشين يتم الحفاظ عليها بواسطة العديد من عقد الكمبيوتر والتي تعمل بشكل متزامن للتحقق من جميع البيانات والمصادقة على صحتها. ببساطة، يحتاج المشاركون إلى التوصل إلى توافق في الآراء (إجماع) والاتفاق على حالة قاعدة البيانات والحفاظ على نسخة فريدة من الحقيقة.
وعلى هذا النحو يمكن أن تصل أنظمة البلوكتشين إلى مستوى عالٍ من الثبات (أي عدم القابلية للتغيير) وقد يتم تخصيص إطارها لضمان أنه لا يمكن الوصول إلى المعلومات وتعديلها من قبل الجهات المعتمدة إلا في بعض الحالات.
في الممارسة العملية يمكن أن تعمل مختلف الوكالات الحاكمة بمثابة جهة تحقق حيث تساهم كل منها في عملية توزيع البيانات والتحقق منها وهذا من شأنه أن يقلل كثيراً من احتمال التلاعب بالبيانات والاحتيال.
في سيناريوهات أخرى مكن أيضاً تضمين المنظمات غير الحكومية والجامعات والمواطنين كعقد تحقق مما قد ينتج عنه درجة أعلى من اللامركزية، علاوة على ذلك يمكن لآليات التحقق هذه أن تمنع أنواع الأخطاء الشائعة الأخرى مثل أخطاء إدخال البيانات، على سبيل المثال يتم رفض أي مجموعة من البيانات التي تفتقر إلى المعلومات الأساسية بواسطة شبكة العقد الموزعة)
بخلاف ذلك قد يلعب أيضاً البلوكتشين يوماً ما دوراً مهماً في العملية الانتخابية، وتعد الانتخابات النزيهة والمفتوحة (التي يمكن لأي شخص الاطلاع عليها) أحد الركائز الأساسية للديمقراطية، كما أن المستوى العالي للثبات يجعلها حلاً ممتازاً لضمان عدم التلاعب بالأصوات.
بالإضافة إلى توفير حماية إضافية للأصوات التي يتم الإدلاء بها في أماكن الاقتراع حيث أن البلوكتشين لديها أيضاً القدرة على تحويل التصويت الآمن عبر الإنترنت إلى حقيقة واقعة، حيث جربت ولاية فرجينيا الغربية مثالاً واقعياً على مثل هذا النظام خلال انتخابات التجديد النصفي للعام 2018 بالولايات المتحدة.
2 – الشفافية
يمكن استخدام قواعد بيانات البلوكتشين لتخزين السجلات الحكومية وحمايتها بطريقة تجعل من الصعب على أي شخص التلاعب أو إخفاء المعلومات.
في النموذج الحالي يتم تخزين معظم البيانات الحكومية في قواعد بيانات مركزية ويتم التحكم بها مباشرة من قبل السلطات، وبعض قواعد البيانات هذه في أيدي عدد قليل من الأشخاص مما يجعل التلاعب سهلاً للغاية، في هذه الحالات قد يكون البلوكتشين مناسب لأنه يمكن أن يوزع عملية التحقق من البيانات وتخزينها على أطراف متعددة ما يؤدي إلى إضفاء اللامركزية الى السلطة بشكل فعال.
لذلك يمكن استخدام البلوكتشين كقاعدة بيانات شفافة تقلل / تزيل الحاجة إلى الثقة بين الهيئات الحكومية والمدنيين.
على سبيل المثال تستكشف بعض السلطات الأوروبية إمكانية استخدام السجلات المبنية على البلوكتشين لتقليل حدوث نزاعات على الملكية ويمكن أن يستند هذا النموذج إلى نظام موزع يمكن الوصول إليه والتحقق منه من قِبل كل من الوكالات الحكومية والمواطنين و يكون كل طرف قادر على الاحتفاظ بنسخة من المستندات والمستحقات الرسمية بأمان.
وأيضا يمكن أن توفر أنظمة البلوكتشين اللامركزية منفذ وصول دائم إلى مسؤولي إنفاذ القانون وقد تحتاج منظمات المراقبة إلى كشف الفساد أو انتهاكات السلطة، ومن خلال الحد من الحاجة إلى الوسطاء في تبادل البيانات والمعاملات المالية أو القضاء عليها يمكن أيضاً أن تجعل أنظمة البلوكتشين من الصعب على المسؤولين الحكوميين التشويش على المخالفات عن طريق توجيه الأموال خلال سلسلة من الكيانات الخاصة المبهمة.
3 – تحسين الكفاءة
سبب آخر لاستخدام البلوكتشين في الحوكمة هو خفض التكاليف التشغيلية عن طريق زيادة كفاءة عمل المؤسسات الوطنية لأن الحكومات تعتمد على أموال دافعي الضرائب فمن المهم أن تستخدم ميزانياتها بحكمة، يمكن استخدام أنظمة البلوكتشين و العقود الذكية للقيام بالمهام وسير العمل بشكل آلي مما يقلل بشكل كبير من الوقت والمال الذي ينفق على العمليات البيروقراطية.
على الرغم من أن تخفيضات الإنفاق الإداري عملية بارزة الى حد ما إلا أنها يمكن أن تساعد أيضاً في تعزيز ثقة المواطنين ورضاهم، من المرجح أن تؤدي زيادة الكفاءة وخفض التكاليف إلى ارتفاع معدلات الموافقة على هيئات الإدارة، ومن خلال خفض التكاليف التشغيلية يمكن للحكومات أن تستثمر المزيد في مجالات أخرى مثل التعليم والأمن والصحة العامة.
يعد تحصيل الضرائب مجالاً رئيسياً آخر للحكم الذي يمكن من خلاله تطبيق تقنية البلوكتشين حيث يمكن للدفاتر المبنية على البلوكتشين أن تنقل الأموال بسهولة بين الأطراف بعد اتباع الشروط المحددة مسبقاً، قد يتسبب ذلك في تخفيضات كبيرة في التكاليف الإدارية المرتبطة بجمع وتوزيع أموال الضرائب وفرض قوانين الضرائب، على سبيل المثال يمكن لوكالات تحصيل الضرائب أيضاً توفير حماية محسنة لحماية دافعي الضرائب الأفراد من الاحتيال أو سرقة الهوية من خلال تخزين السجلات ومعالجة العائدات على شبكات بلوكتشين خاصة.
عيوب استخدام البلوكتشين في الحوكمة
في حين أنه من الواضح أنه يمكن استخدام البلوكتشين لتحسين تكامل البيانات والكفاءة والشفافية إلا أن هناك بعض القيود المرتبطة باستخدامه في القطاع العام.
من المثير للاهتمام أن خاصية الثبات (عدم القدرة على التغيير) التي تكمن وراء الكثير من مزايا البلوكتشين قد تكون أيضاً عيباً في بعض الظروف.
ثبات البيانات يجعل من الضروري إدخال السجلات بشكل صحيح قبل التصديق على صحتها مما يعني أنه يجب اتخاذ خطوات لضمان دقة جمع البيانات الأولية.
على الرغم من أنه قد يتم تصميم بعض تطبيقات البلوكتشين بطريقة أكثر مرونة مما يسمح بتغيير البيانات إلا أن ذلك يتطلب موافقة (إجماع) من غالبية العقد التي قد تتحقق من صحتها مما قد يتسبب في تساؤلات حول لامركزية النظام ومما يؤدي في النهاية إلى خلافات، لكن يمكن معالجة هذا العيب بسرعة في شبكات البلوكتشين الخاصة التي لا تتطلب مستويات عالية من اللامركزية.
تعتبر أيضا الخصوصية مصدر قلق حيث أن السجلات المضافة الى البلوكتشين ستبقى عامة ومتاحة دائماً لأي شخص يمكنه الوصول إليها، قد يتعارض هذا مع الإجراءات التي تهدف إلى ختم المستندات مثل حذف السجلات الجنائية وقد تتعارض هذه السجلات الثابتة أيضاً مع القانون الحالي أو السابقة القضائية، من الحلول المحتملة لهذه المشكلة هو استخدام دالات الحرق و وتقنيات التشفير مثل zk-SNARKS أو أنواع أخرى من براهين المعرفة الصفرية.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الحكومات نفسها قد تشكل عقبات أمام تبني تقنية البلوكتشين، في بعض الحالات لا تفهم السلطات ببساطة قيمة هذه التقنية مما يؤدي بهم إلى تجاهل العديد من الفوائد المحتمل وفي الحالات الأكثر تطرفاً قد تقاوم الحكومات التي فيها فساد بنسبة كبيرة و متأصل تبني تقنية البلوكتشين لحماية مصالح مسؤوليها.
على الرغم من وجود العيوب المحتملة التي تم ذكرها سابقاً إلا أن هناك العديد من الاستخدامات الممكنة لأنظمة البلوكتشين في الحكم، من تعزيز الشفافية إلى تبسيط عملية تحصيل الضرائب يمكن للشبكات الموزعة أن تساعد الحكومات على العمل بكفاءة أكبر وبناء مستويات أكبر من الثقة مع مواطنيها في حين أن بعض التطبيقات لا تزال افتراضية إلا أن هناك العديد من الدول تقوم بالفعل بتجربتها.
تجدر الإشارة إلى أن الأنظمة الرقمية تستخدم في الحكم منذ أوائل العقد الأول من القرن الماضي أي قبل سنوات من إنشاء البلوكتشين، تعد إستونيا مثالاً بارزاً حيث أطلقت برنامجها للهوية الرقمية في عام 2002 كانت أول دولة تجري انتخابات عبر الإنترنت في عام 2005، وفي عام 2014 أطلقت الحكومة الإستونية برنامج الإقامة الإلكترونية الذي يشير إلى استخدام تقنية البلوكتشين في إدارة البيانات الرقمية والأمن.